تأتي حادثة التحرش التي تعرضت لها3 فتيات في شارع جامعة الدول العربية أول أمس, والتي أسفرت عن حبس32 متهما بتهمة هتك العرض, والفعل العلني الفاضح لتدق ناقوس الخطر حول خطورة هذه الظواهر السيئة علي المجتمع, وعلي الشارع المصري.
وقد أدت الواقعة إلي حالة من الذعر والقلق في الشارع, فضلا عن تكدس المرور, وإعاقة حركة السيارات, حيث قطع أكثر من100 شاب شارع جامعة الدول العربية وهتكوا عرض الفتيات الثلاث.
ولم يكن حادث المهندسين هو الأول.. فقد شهدت أيام العيد الماضي حادثا مشابها في منطقة وسط البلد مما يثير العديد من علامات الاستفهام والاسئلة حول هل هناك أزمة أخلاق بين الشباب في الشارع المصري؟!
إن الأمر له أسبابه الأخري التي نحاول كشفها في هذا التحقيق؟!
لقد أصبح السؤال مطروحا بقوة, خاصة في ظل مثل هذه الحوادث المشينة التي تدعونا إلي تشديد العقوبة في حالات التحرش, حتي لا يصبح الشارع والمكان العام.. وموقع العمل.. مجالا للفوضي.. وللتحرش.. وللتعدي علي حقوق وحريات الآخرين.
الدكتورة حنان سالم أستاذ علم الاجتماع السياسي تري أن الجرائم الجنسية انتشرت بشدة في المجتمع المصري, وما يتم الاعلان عنه ليس الحجم الحقيقي للظاهرة, فهي تندرج تحت بند الأرقام غير المنظورة, والسبب يرجع إلي طبيعة المجتمع الشرقي الذي تخشي فيه الفتاة أن تعلن عن تعرضها لهتك العرض أو الاغتصاب أو التحرش الجنسي أو إسماعها كلمات تخدش الحياء.
أما التحرش الأصعب فهو ما يحدث في الأماكن غير المتوقعة مثل أماكن تقديم الخدمات العامة وأيضا في العمل.
وبالنسبة لأسباب الظاهرة فهي كثيرة, ومتعددة ومنها الثقافية والاجتماعية ومنها أيضا جزء كبير يعتمد علي الفتيات اللائي يقدمن أنفسهن في الشوارع ليس فقط بالملابس المثيرة ولكن حتي بطريقة المشي!
أما الشباب فجزء كبير لديه كبت جنسي أو عاجز عن إتمام مشروع زواج.. حتي الطفولة اختلفت والنضج الجنسي اصبح مبكرا سواء علي المستوي البيولوجي أو علي مستوي الإدراك خاصة في ظل الانفتاح الكبير علي العالم, ولذلك نجد أن عددا كبيرا من المتحرشين أصبح من الأطفال بعد أن كان عمر المتحرش يتراوح بين25 و35 سنة مما ينذر بخطر داهم علي المجتمع.
أما غياب القدوة وعدم وجود قنوات تستقطب الشباب وتخلي الأسرة عن ابنائها وتطردهم إلي الشارع والظروف الاقتصادية والبطالة كلها من أسباب انتشار هذه الظاهرة, ولأن التغيير علي مستوي المجتمع يحتاج إلي وقت طويل جدا, ولأننا نعاني من ثقافة العيب أو إلقاء الذنب علي الفتاة فلابد من اتقاء مواطن الشبهات, وهنا لابد أن نضع الحلول التي نستطيع أن ننفذها مثل اجتناب الفتيات للسير في الأماكن شديدة الازدحام مثل وسط المدينة وشارع جامعة الدول العربية وشهاب التي يعرف عنها الجميع أنها تتحول إلي أماكن لتجمع الشباب خاصة في الأوقات المتأخرة من الليل وننصح أيضا بالخروج في صحبة الأهل أو الأصدقاء.
الدكتور إلهامي عبدالعزيز استاذ علم النفس بجامعة عين شمس يري أيضا ان ظاهرة التحرش الجنسي في زيادة كبيرة خلال الفترات الماضية, والأسباب تعود إما للتنشئة الاجتماعية, حيث ينصب اهتمام الآباء علي الاحتياجات المادية دون إعطاء الأبناء ذخيرة من القيم ودون تنشئتهم علي قيم اجتماعية تحترم مشاعر الآخرين, وهذه القيم أصبحت بعيدة كل البعد عن غالبية الأسر المصرية, بالإضافة إلي الفجوة الحضارية بين الآباء والأبناء, إلي جانب ما يشاهده الأولاد علي الفضائيات والأفلام المرتبطة بالجنس أو حتي الافلام العادية التي تكون بعيدة تماما عن زرع القيم و الأخلاق بل تقدم ما يهدم المجتمع, وبالتالي أصبح كل شيء متاحا لدي هؤلاء الشباب, بالإضافة إلي ما يشاهده الشباب علي الانترنت من افلام فاضحة مثل افلام الاغتصاب مما يكون لديه رؤية خاصة بأن التحرش هو شيء عادي بل ربما هو منتهي الأدب!
أما ما يدعو للأسي فهو أن كثيرا من ابناء المجتمع يشاهدون الظواهر السلبية في الشارع, ولا يلتفتون إليها ولا يساندون من يقع ضحية لهذه الحوادث, في حين أن هؤلاء الشباب المتحرشين لن يمارسوا هذا الجرم في حالة وجود عقاب أو ردع من السلطة الموجودة في الشارع وللأسف فإن الحادث الأخير إنما يدل علي أن هؤلاء الشباب قد مارسوا هذا الفعل من قبل بدون أي عقاب وقع عليهم.
بالإضافة إلي أن الشباب يقع تحت ما يسمي بفاتحات الشهية للجنس ويتعرضن لها في كل مكان دون أن يكون لديه فرصة للزواج ويجد أن من حقه إفراغ هذه الطاقة مهما كان شكل هذا الإفراغ.
والغريب في الأمر ان الفتيات فيما مضي كن يدافعن عن أنفسهن بشكل أقوي ويعترضن بشدة علي أي تعد عليهن, ولكن الآن نجد كثيرات منهن يخجلن من الإدلاء بما تعرضن له من تحرش, وهنا يجب علي الأسرة ان تدرب بناتهن علي مواجهة هذه المواقف وتقديم ما يتاح لهن للدفاع عن النفس, فعلي سبيل المثال لا تخلو حقيبة فتاة في الخارج من الصاعق الكهربي أو أي أداة من ادوات الدفاع عن النفس, بالإضافة إلي الحفاظ علي مظهر عام لا يدعو إلي الاحتكاك بها, وأيضا علي الفتاة ألا تسير في أماكن بعيدة عن التجمعات او أماكن مظلمة إلي آخر هذه القواعد العامة.
وأخيرا يؤكد الدكتور الهامي عبدالعزيز أنه ليس معني أن تكون بعض الفتيات مخطئات في ارتداء ملابس ضيقة مثلا أن يتخاذل الناس عن حمايتهن أو الدفاع عنهن بما يمنع الشباب المتحرض ويقوم من سلوك الفتاة في الوقت نفسه.
ويرفض المستشار حسن بدراوي مساعد وزير العدل لشئون مجلسي الشعب والشوري ومقرر اللجنة التشريعية بالمجلس القومي للمرأة ان ننطلق علي التحرش الجنسي لقب ظاهرة بدون اجراء المسوح الميدانية والدراسات الامبيريقية والتي تعني رصد الصور علي أرض الواقع للوقوف علي اسبابها, ومدي تحولها إلي ظاهرة.
وعن العقوبة الخاصة بالتحرش يقول: إن قانون العقوبات المصري يعاقب المتحرش بعقوبة الجنحة التي تبدأ بالحبس من24 ساعة إلي ثلاث سنوات, ولكن ما يحدث الآن من انتشار صور التحرش الجنسي وتعدد اشكالها واستخدامها للتقنيات الحديثة مثل الموبايل والانترنت وهي جرائم غير مرصودة مثل تحرش الشارع, الأسوأ أن هذه الصور الخليعة أو العبارات البذيئة تظهر الآن في بيئة العمل, وهذه الصور الجديدة تحتاج إلي تشريع جديد يرصدها مما دفع اللجنة التشريعية بالمجلس القومي للمرأة إلي تقديم اقتراح نص جديد يعالج الصور المستجدة من التحرش بالأساليب الجديدة وتم اقتراح رفع الحد الأدني من العقوبة إلي سنة علي الأقل, أما الأحداث أو وفقا للنصوص الجديدة بقانون الطفل يودع الأطفال في إحدي دور الرعاية.
ويري أن عدم إبلاغ الفتيات عن هذه الوقائع هو جزء من ثقافة فرعية وافدة وجديدة علي المجتمع المصري الذي ظل منفتحا علي العالم, أما هذه الثقافة الفرعية فهي تدعو إلي الإخفاء بل وتتهم الفتاة المجني عليها بأنها أوجدت دافعا لدي الجاني, بالرغم من عدم وجود مثل هذه الظاهرة في الستينيات والسبعينيات والتي انتشرت بها موضة المني جيب والميكروجيب, وهذا يعني أن المشكلة ليست في الملابس, خاصة أن هذه الأفعال تقع علي الفتاة المحجبة مثل الفتاة غير المحجبة, ودخول هذه الطائفة يعني انها ليست قضية ملابس أو مظهر ولكن لابد أن تتم دراسة هذه الظاهرة التي تدفع حدثا صغيرا لارتكاب هذه الحادثة وهو لا يملك دافعا جنسيا بعد!
الدكتورة مروة عبدالرحمن استشاري الطب النفسي بجامعة عين شمس تري أن المتحرش جنسيا لا يمكن أن يكون شخصا سويا بكل المقاييس ولكنه صاحب شخصية لديها الكثير من الصفات السيئة.. ومن هذه الشخصيات الشخصية المرضية أو التي نطلق عليها السيكوباتية التي تكون معادية للمجتمع وهي تميل إلي ايذاء الغير بدون سبب, وعدم احترام القيم الاجتماعية, أو الاخلاقية والدينية, ويستمتع ذوو الشخصية العدوانية بكسر القيود والثوابت والقيم, وهي شخصية كثيرة الكذب والسرقة وتميل إلي التخريب بدون هدف إلا الإيذاء فقط, وقد يكون المتحرش من الشخصيات الحادية وهي مندفعة جدا بدون التفكير في العواقب, وقد يكون المتحرش أيضا مجرد تابع يتحكم فيه الآخرون, ويملون عليه أفعاله وهذه الشخصيات تظهر في سن صغيرة جدا ـ ومازال الكلام للدكتورة مروة ـ ولكن لا يمكن التأكد منها إلا في سن18 سنة, وقد تنتج هذه الشخصية من أسباب وراثية تنتقل من الآباء إلي الأبناء, وقد تم اكتسابها من البيئة المحيطة بالطفل.
أما علاج هذه الشخصيات فيبدأ بالعلاج الدوائي خاصة في الشخصية المعادية للمجتمع, وعلاج سلوكي لتقويم السلوك خاصة في السن الصغيرة, وعلاج نفسي من خلال الجلسات النفسية.
أما رد الفعل المناسب من جانب المعتدي عليها فهو التجاهل التام إذا كان التحرش لفظيا أو الابلاغ عن المتحرش إذا كان التحرش جسديا.